في قلب بغداد ، مجموعة من المحلات العتيقة المنتشرة في الأزقة الواقعة في تحديداً في منطقة باب الأغا قرب الشورجة في شارع الرشيد، يعلو صوت طرق النحاس بنغمات متتابعة غريبة، ولكنها موسيقى جميلة بالنسبة للعاملين هناك، أصوات معروفة لدى البغداديين و مرتادي هذا السوق العريق، إنه سوق الصفارين أو الصفافير كما يحلو للعراقيين تسميته، نسبة إلى كلمة (صفر) أو معدن النحاس.
سوق الصفافير يشتهر بصناعة الأواني وأباريق الشاي والفوانيس والأطر المنقوشة، كما تصنع فيه التحف التي تزدان بصور آثار العراق ومعالمه التاريخية، وقد أتقن العاملين هناك مهنتهم وتفننوا بها بحرفية عالية…. ومن المعروف أن هذا المكان، ليس مجرد سوق محلي قديم .. إنه إرث حضاري عريق، يمتد عمره لمئات السنين،فهو موجود منذ العصر العباسي، وكان السوق قد أنشيء لتوفير إحتياجات طلاب المدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية وهما من أشهر أماكن العلم في عصر الخلافة العباسية.
علماً أنه أسواق الصفافير تنتشر في أكثر محافظات العراق وليس بغداد فقط، مثل الموصل وبابل والنجف.
للأسف اليوم صار صوت طرق النحاس لا يسمع إلا نادراً و غابت موسيقى سوق الصفافير عن آذان المارة، والسبب هو إنحسار هذه المهنة وقلة عدد متعلمي هذه الحرفة الجميلة ، بسبب استيراد البضائع النحاسية الرخيصة من المصانع الأجنبية ، ورغم كونها لا تضاهي جودة وجمال القطع الأصيلة المصنعة على يد الحرفيين والصفافير المهرة في السوق التقليدية للصفارة، إلا أنها أثرت بشكل كبير على واقع هذا المكان… وأصبح السوق الذي كان يضج بالزوار أقل حركة.
من المفروض أن سوقاً بهذه القيمة التاريخية، وحرفة جميلة توارثتها عدة أجيال، يجب أن تلقى الإهتمام اللازم من الجهات المعنية للحفاظ عليه وتطويره ليعود كما كان سابقاً، أحد أهم واجهات بغداد التراثية ومقصد السواح والأجانب من كل بقاع الأرض.